ليلى

تجلس وحيدا في الظلام، تصارع عينيك النعاس، فيغلبها تارة بالتعب والانهاك وتغلبه تارات بالآلام والذكريات.

كان يشدني قديما مشهد مخاطبة امرؤ القيس لليل: "وليل كموج البحر أرخى سدوله"، وحتى قوله: "بصبح وما الإصباح فيك بأمثل"
تخيل ذلك الفارس الشاعر، ابن ملك كندة، يجلس شاردا في حلكة الليل تدور الافكار و الذكريات بعقله كما تدور الخمر برأس شاربها، يسطو على رأسه الماضي، الماضي الذي لا فكاك منه! يجالده اعدائه نهارا بالسيف، وتجالده ذكرياته ليلا.

ثم بعدها يدلف لمخاطبة الذئب الذي يعوي في ليلته هذه، صراحة على كم البلاغة في أبيات امرؤ القيس تلك وكم الصراع الانساني فيها، إلا إنها بالنسبة لي قمة في البؤس الإنساني، تخيل بدلا من ان يكون الليل سباتا للشخص وان يكون له لباسا، بدلا من ان يخلد للنوم بجانب من يحبه، يكون هذا الليل مجلبة و استدعاء لمزيد من الذكريات و الألام!!

بمناسبة الآلام، كنت قد وقعت لنص لدوستويفسكي: "أخشى ما أخشاه ألا أكون جديرا بمعاناتي"
لفترة قريبة كنت اعتقد شيئا قريبا من هذا ولكن مع تعديل طفيف: "أخشي ما أخشاه ألا كون قد ادركت اسباب معاناتي"
وصراحة لم اري من هذا الاعتقاد لا صحة ولا نفع!! فأنا كانسان مخلوق قد يكتب على المرأ بعض المعاناة، ولكن انا لست مطالب بادراك الاسباب الجالبة لتلك المعاناة، إلا بقدر ما يمكن به دفع تلك المعاناة عنك وعدم تكراراها مستقبليا، وايضا من ناحية نفعية بحتة قد تخبرك الاسباب بطرق تجنب تلك المعاناة في المستقبل، لكن يظل "التعمق في الأسباب" نوع من انواع العذاب بالتفكير!!
لذا حقا أخشى ما أخشاه ألا اكون جديرا بمعاناتي!! أن اخرج من معاناتي كما دخلت، ألا استفيد اي درس من تلك المعاناة!!

هل حقا كان يمكن للماضي ان يكون بشكل مختلف؟ لا اعلم صراحة هل لو اختلف فعلي في الماضي كان سيختلف حاضري؟!! ماذا لو كان سيختلف حاضري ولكن للأسوأ!! حقيقة لا اعتقد  ان على المرء محاولة تغيير ماضيه، نعم سيكون على المرء الندم على بعض لحظات في ماضيه، سيندم على قرارات اتخذها وسيندم على قرارات لم يتخذها! ولكن هذا الندم سيكون حافزا له على التطلع للمستقبل والحذر من الوقوع في نفس الاخطاء!!

فيكتور فرانكل ليه كتاب لطيف: "الانسان يبحث عن معنى" ملخصه ان الانسان حياته هي عبارة عن بحث للمعنى، طبعا في كتابه ده ذكر مفاهيم عديدة وضحت له من خلال تجربته في معسكر اوشفيتز! وطبعا بيربط بين المعاناة والمعنى، حقيقة كنت لا استريح للكتابات الغربية بخصوص المعنى والمعاناة، خصوصا بعد قرائتي الطفيفة للوجودية ولسارتر من ان معنى الحياة هو بمقدار ما يصنعه الانسان لنفسه، اي انه لا يوجد في الحقيقة معنى ولكن الانسان هو من يصنع ذلك المعنى!! على اختلاف توجه فرانكل -او ده اللي فهمته- انه يوجد معنى لحياة كل فرد ويوجد معنى لمعاناة كل شخص ولكن نحن نحتاج لاستكشاف هذا المعنى وليس اختراعه!

الجميل في الموضوع بالرغم من المعاناة الليلية التي يصورها لنا امرؤ القيس في معلقته، إلا انه لم يكن يبحث عن معنى لها!! هو يعلم معنى حياته جيدا!! معنى حياته هو الأخذ بثأر أبيه الملك واستعادة ملك كندة!! وما سوى ذلك المعنى من اي معاناة أو شعور ليس إلا شئ عارض يلوكه امرؤ القيس في ابياته ليتلقفه أمثالي ممن رفضوا الذهاب مبكرا للفراش متحججين بالأرق!! ويكتبونه في مدونة لا يقرأها احد -وهذا شئ لطيف- يتحدثون فيه عن ابيات لشاعر مات منذ ما يزيد عن ال1500 سنة.

ندور على المعاني
ونمسك في الاماني
نلاقي ان الاغاني
بتيجي من الندوب






Comments

Popular posts from this blog

ستمحوه الرياح

حول الابتلاء و الاختيار

سألت ربي