الغرض من الحياة

من ضمن مباحث الفلسفة هو محاولة الإجابة عن "لماذا نتفلسف؟!" أو "ما هدف الفلسفة"

الفلسفة اليونانية كانت حاطة السؤال ده نصب عينها، أرسطو كان بيحاول يجاوب عن كيف يمكن للانسان ان يعيش "سعيدا"، أفلاطون مثلا قال ان في الانسان قوة غريزية و قوة غضبية وقوة عقلية، وأن سعادة الانسان تكمن في أي يعيش حكيما! أن يعيش عادلا فيجب على القوة العقلية في الانسان أن تسيطر على الغرائز و على أفعال المرء.
أبيقور مثلا قال بأن السعادة في الحياة هي عن طريق ليس الإنغماس في الملذات ولكن في التخلق بالفضائل!
لكن حقيقة كلما تقرأ في الفلسفة اليونانية ومحاولاتها للاجابة عن "الغرض من الحياة" كلما تجد نفسك تسأل "لماذا" لماذا سيكون علي أن أتحلى بالأخلاف الفضيلة على طول الخط، من الممكن ان تتسبب لي تلك الأخلاق بالمآسي! وتجعل حياتي تعيسة!
سيأتي بعدها على الفلسفة الغربية كانط الذي سيقول بالدليل الأخلاقي وتقديمه لمفهوم "الإلزام الأحلاقي" لكن برضه ستجد نفسك تسأل لم علي بأن ألتزم بتلك الأخلاق أصلا!! وهل فعلا يمكن أن يحيا الإنسان حياة "سعيدة"؟؟

ألبير كامو وهو فيلسوف وجودي، كان بيقول ان الهدف من الفلسفة هو الإجابة على سؤال: "لماذا لا ننتحر؟!" ولمن لا يعرف ما هي الفلسفة الوجودية -دخ لو فيه حد بيقرأ أصلا- فهي فلسفة تنظر في الوجود وترى كآبته وأن المنغصات لابد منها على الانسان في هذه الحياة ولا سبيل للخروج من هذا القلق الوجودي إلا بأن "يخلق" كل إنسان معنى خاص به، طبعا ده كلام برضه بلح!! لأن ممكن المعنى اللي تقوم بخلقه هو معنى كاذب! وبالتالي معرفتك لده هايفضل يصيبك بالاحباط، لان المعنى اللي انت عايش ليه لو كنت انت من "خلقته" لنفسك فبالتأكيد هو معنى كاذب مصطنع من الممكن ان تتملص منه إن انست منه غصة ... لذا في رأيي ان الحياة هي مرحلة "لاكتشاف" المعنى الموجود حقا!

في فيلم ذا ماتريكس في حوار ميروفنجين مع نيو في مشهد المطعم، قال له انه يجلس معه لأنه بالفعل قد اتخذ خيارا وأن سعيه في ثلاثية ذا ماتريكس ليس إلا ليكتشف لم اختار ذاك الاختيار فقط لاغير. 

في محاضرة للشيخ فريد الأنصاري عن الدنيا، ذكر لطيفة عن صفة الدنيا، أن لحظات السعادة فيها دليل على كآبه هذه الدنيا، لأن لحظات السعادة دوما ما تعرف أنت ان بعدها غصة و مشاق و مصاعب! فاللذة إما ان تصل لقمتها إما أن تستمر تلك اللذة فتعتادها فتفقد تلك اللذة نشوتها! وإما أن تذهب فتجعلك تتحسر! فوجود بداية للذة دليل على وجود انتهاءها

فالأصل في الدنيا التعب والكد والمشقة و الابتلاء! لذا لا سعادة مطلقة في تلك الدار، لا حياة سعيدة في تلك الحياة خالية من الكدر، لذا مصير الإنسان في الدنيا و هو مدرك لحقيقتها هو الوحشة، تلك الوحشة التي لا يدركها إلا من عايشها بحق!

لذا لا يمكن ان يعيش الإنسان حياة سعيدة خالية من الكدر والنصب و الظمأ و المخمصة في تلك الدنيا إن أدرك حقيقتها!

ما يمكن للإنسان أن يعيشه في تلك الدنيا هو الحياة الطيبة
"من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون"

ما يمكن للإنسان هو أن يعرف المعنى لما يكابده في تلك الدنيا، أن يكون حياته متصلة بالخالق الهادي "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين"
فذاك طريق الأنس بالله، فالله هو أصل كل شيء، متى أنفككت عنه وقعت في البؤس و أصبحت معاناتك بلا داعي،  كنت قد وقعت لقول للإمام الرازي ولشيخ الاسلام ابن تيمية نقله عنه الشيخ ماهر أمير:



 "إذ لا موجود إلا الله و لوازمه" فمتى حاولت فصل تخيلك للوجود عن الله سقطت في العدمية.

كذلك ستخسر الدار الآخرة التي هي الحيوان الحق!
الحيوان وهو لفظ أختاره الله للإشارة للحياة في الأخرة، وهي على وزن "فعلان" وهي صيغة توحي بالتحرك والاضطراب والحيوية التي هي كمال الشيء كلفظ "الغليان"، فالحيوان هو كمال الحياة، فالآخرة هي الحياة الحق -كما يوضح بن عاشور في تفسيره-

---
قفز أغلب ذلك لذهني عندما كنت في محاضرة سمعتها قال المحاضر -وهو من أهل القرآن- أن أحد أصدقاءه من أهل القرآن أيضا قال له أن القرآن هو ما يمنعنا من الانتحار بسبب مشاق ومصاعب وأكدار تلك الدنيا، فتعجبت أنه كيف يمكن لمن لم يقرب الفلسفة و تاريخ الأفكار وووو أن يصل لذلك المعنى الدقيق! 
فصدقا "إن هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم"
وصدقا "يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين"

-----

"الغرض من الحياة" عنوان المقال هو عنوان لمحاضرة ماتعة ألقاها د.جيفري لانج.









Comments

Popular posts from this blog

ستمحوه الرياح

حول الابتلاء و الاختيار

سألت ربي